Friday, December 1, 2006

مصر في حارة: 3





طاهر سيف الدين
" 3 "
يوم مشرق من تلك الأيام الهانئة التي يتسرب فيها إليك شعور طاغٍ بالدفء والصفاء .. يوم تسطع فيه الشمس الصافية, ولا ينقطع هديل الحمام وزقزقة العصافير... كعادة حمدان التى لا تنقطع انشغل باللعب فى فناء الحارة وسط الزهور والأشجار المورقة, فها هو حمدان يقطف بعض أوراق الأشجار لتقليد أمه عند عمل الملوخية مع فهيمة, ثم ينظر أمامه... فيرى شابًا في أوائل العشرينات.. فارع العود, وسيم الوجه, مليح القسمات, ملون العينين, أسنانه صافية بيضاء كلون اللؤلؤء, بذلته أنيقة, وحذاؤه لامع, يقترب من حمدان فيشم الفتى رائحة الصابون والورود العطرة المنعشة ... ابتسم له الصغير , فرد عليه الشاب بابتسامة رقيقة, ثم قال بصوت ودود:
- أظنك حمدان. لقد كبرت كثيرًا يا بطل
- أتعرفني ؟ وجهك عجيب وليس مألوفاً في الحارة !
- نعم أعرفك, ثم إنني أتيت هنا البارحة وأول شيء فكرت فيه هو أن آتي لكي أسلم على حسين أخيك
- حسين... حسين سافر إلى انجلترا. لا نعرف أي خبر عنه, ومرت ثلاث سنوات تقريباً على عدم عودته عن بلاد الغربة. أنا ونينة في انتظاره! و لكن كيف عرفتني أنا وحسين ؟ من أنت وما اسمك ؟
- كنت زميل حسين في الكتاب والمدرسة الثانوية , واسمي طاهر سيف الدين
- عاشت الأسامي يا طاهر بك...
يضحك طاهر ويقول برفق :
- طاهر بك ؟ أقول لك زميل أخيك وتقول لي أنت طاهر بك ؟ اسمي طاهر فقط يا عزيزي حمدان !
يبتسم حمدان ويقرر ببراءةٍ أنه سيتخذ منذ هذه اللحظة من طاهر صديقًا حميمًا كما اتخذه حسين, ثم يقول :
- والآن يا ... يا طاهر, هيا لكى تتغدى عندنا .. نينة انتهت من طبخ بازيلاء وأرز ودجاجة بحالها, ولا نحب أن يأتينا ضيف فلا نستقبله ولا نرحب به
لم يرد طاهر رفض تلك" العزومة " الشهية إلى بيت صديقه القديم, فوافق وذهبا هو وحمدان, وأخذا يتحدثان عن أحوالهما في الدنيا, كما سأله طاهر العديد من الأسئلة الفضولية عن تعليمه, ففوجيء بشدة عندما علم أن حمدان لم ينل نصيباً يذكر من التعليم ولم يكن كأخيه النجيب حسين

كما عرف حمدان بدوره أن طاهر في السنة الأخيرة من دراسته في كلية الشرطة بعد أن توسط له عمه الثري للانضمام إليه!

تسمع الست سنية طرق الباب المتواصل, فتفتح و الابتسامة الحنونة تعلو وجهها المرح, تتعجب لرؤية طاهر و لكنها تعرفه على الفور وترحب به ويتغدى عندهم ... الغريب أن رضوان أفندي بنفسه رحب به خير ترحيب وأخذ يتحدث معه بودٍ كأنه أب يتحدث مع ابنه. تسأله الست سنية عن أحوال والدته أم طاهر, فيطل الحزن من عينيه وتعرف الست سنية على الفور بأنها توفيت, فتحزن لذلك أشد الحزن, وتسأله إنّ كان يعيش الآن بمفرده, حيث إنها تعرف ان أباه قد توفي منذ طفولته, فيقول :
- أبدًا, أعيش مع زكريا القناوي, من قنا لكنه يدرس في جامعة القاهرة , فيستقر معى وقد استأجرنا شقة ما شاء الله إيجار هنا فى حارة الشرف, ويستقر معي أيضًا محمود دياب, يتيم الأب والأم مثلي وكان معي أنا وحسين فى المدرسة وكان يكبرنا ببضعة أعوام, إذا كنت تتذكرينه!
بالطبع لم تتذكره الست سنية, لكنها قالت بدماثة وابتسامة ساذجة :
- صُدف يا طاهر, إن الله جمعكم ثانيةً ...
فيبدأ الجميع بالحديث عن الصدف ... ثم يتحدث طاهر ورضوان أفندى عن الثورة وسعد زغلول والمظاهرات. ويتغير ويتنوع الحديث من موضوع إلى آخر، إلى أن تأتي فهيمة من عند الست سعدية بعد أن قضت معها معظم ساعات الصباح طويل، فينبهر طاهر لمرآها وتجذبه إليها بعذوبتها وجمالها الآسر
أما هي فقد سألت والدتها على انفراد:
- من هذا يا نينة ؟
- زميل حسين أيام المدرسة
- و ماذا يفعل هنا ؟ حسين سافر منذ ثلاث سنوات, فماذا يريد منا ؟ لا تنقصنا مشكلات ومتاعب!
- نحن نستضيفه و نرحب به يا فهيمة , ثم أن المتاعب لا تأتى إلا من ناحية أبيك.. ووالدك سي رضوان رحب به خير ترحيب
تبدي فهيمة تبرمها وضيقها المعتادين، ثم تغلق باب الغرفة لتنال قسطاً من الراحة بعد نهار كامل مع الست سعدية, ولا يشغل ذهنها شىء إلا النوم و الراحة

أما طاهر..فلم يكن يشغل باله ساعتها سوى تلك الفتاة التي دخلت عالمه من دون استئذان

6 comments:

tota said...

ايمان الجميلة

فى متابعة تواصل الفصول تظهر الوجوه الجديدة لتضيف احداثا تكمل الاحداث السابقة
ما زلت متشوقة لمعرفة باقى الاحداث

اعتب عليكى تباعد الحلقات فلا اريد ان افقد التسلسل او ان انسى الاحداث

فانا معتادة على قراءة الروايات كاملة فى يوم وليلة لا انكر ان اولاد حارتنا هى الرواية التى قرأتها على 3 ايام لضيق الوقت وطول الرواية

رجاء عدم التباعد للحفاظ على تواصل الاحداث

تحياتى

هي said...

ايمان
لا شك ان مخزونك المعرفي مقارنة بسنك لأمر مدهش...
احببت كثيرا براءة اسلوبك الذي سيتغير مع الوقت...
اضم صوتي الى صوت توتة، فلا تتأخري كثيرا في النشر
احلى تحية

Eman Yasser said...

Tota :
شكراً على متابعتك و رسالتك الحلوة..
لن أتباعد فى تحميل الحلقات، لكنى أريد أن أقول إن كل شخصية من الحارة لها حياتها الخاصة إنما أنا أردت أن أضم كل منهاإلى عائلة المنياوى فقط لأن عائلة المنياوى هى الأسرة الأساسية
و شكراً جداً مرة ثانية

Eman Yasser said...

Rat
شكراً لتلك الرسالة الرقيقة، و شكراً لمتابعتك لمدونتى .. و شكراً لرأيك الصريح و كمان لأنك لا تبخلى علىّ بالملاحظات .. أنا سأضم الفصل الرابع قريباً جداً و أوافق على رأيك
أرجوك تابعى مدونتى و أرسلى لى المزيد من الملاحظات

Muhammad Aladdin said...

اكملي المسيرة، فنحن في انتظار للمزيد
:)

Eman Yasser said...

Muhammed Aladdin:
شكراً لأنك تشجعنى على كل فصل أضعه فى المدونة، و شكراً لأنك تتابعنى و تهتم بما أكتب .. أرجو أن تعجبك الفصول الآتية و ترسل لى الملاحظات .. و شكراً مرة ثانية