Saturday, July 11, 2009

مصر في حارة: 20





أحوال
" 19 "


تماماً مثل ندى الصباح، تتحول القطرة إلى دمعة، أو تستقر كأنها ماء الخلود
وما بين هذا وذاك، تولد التحولات الكبرى في حياة الوردة
إنها الأحوال، التي لا تستقر على حال
الأكيد أن الأحوال تغيرت وتنوعت، بعد أن تعاقبت السنوات على زيجة طاهر وفهيمة وانفصال حسين وليلى
حتى حمدان الصغير لم يعد كذلك
فقد اتضحت عليه علامات الرجولة بعد أن ودع ثوب براءة الطفولة واللعب في أرجاء الحارة الضيقة، التي كانت بالنسبة له عالماً واسعاً لا حدود له
وسرعان ما التحق بالعمل مع أبيه رضوان أفندي في تجارة الحرير بعد أن أصاب الوهن أباه واشتعل رأسه شيباً. وتدريجياً، ترك رضوان أعباء العمل لحمدان الذي اشتد عوده وأتقن كثيراً من أسرار هذه التجارة
وأخذت آثار السنين تزحف على وجه وجسد الست سنية، لكن شيئاً واحداً بقي من دون تغيير، إذ احتفظت بطيبة قلبها وحنانها الذي يغمر كل من حولها
وعاش كل من طاهر وزوجته فهيمة في سعادة واستقرار، وتوَّجا حبهما وزيجتهما الهانئة بإنجاب ثلاثة أبناء: بنتين وولد، هم بترتيب الميلاد فريدة وحازم وصفاء. احتفظت فهيمة بقوة الشخصية وبدت صاحبة سطوة وحظوة عند زوجها الذي كان يحبها إلى حد كبير فلا يرد لها طلباً. كان يعتبرها أميرته وسميرته وحبيبته، وكانت كثيرات من الأهل والمعارف يتحدثن في مجالسهن الخاصة بخليط من الغيرة والدهشة عن سيطرة فهيمة على شؤون العائلة الصغيرة، لكنهن كُن في أعماقهن يغبطن هذه الفتاة الجميلة التي وفقها الله إلى زوج محب..ومطيع

أما حسين فقد دارت الحياة به دورة كاملة، إلى أن تزوج من بهيرة، أخت ليلى موسى، فأنجبت منه فتاتين، هما شريفة و لي لي
وكأن الله أراد أن يعوضه عن أحزان زيجته الأولى والمرارة التي كادت تعصف به ويذبل بسببها..إذ عاش مع بهيرة أياماً لها طعم الهناء ورائحة النعناع
أيام أسعد بالتأكيد وأكثر بهجة من حياته مع ليلى، التي حظيت بعد طلاقها من حسين بحياة جديدة مع رجلٍ ألماني تعرفت عليه في أحد أسفارها، فتزوجا واستقر بهما الأمر في مدينة فرانكفورت الألمانية
اشترى حسين بهيرة شقة واسعة في حي المعادي الراقي، أما شقته القديمة في حي العجوزة، فقد تحولت إلى عيادة يلتقي فيها مرضاه كي يشخص حالتهم الطبية ويقدم لهم العلاج الشافي والدواء المناسب
ولأن الحياة تشبه قطار المفاجآت، فقد أصاب الحزن كثيرين بعد أن وافى الأجل المحتوم الست سعدية بعد معاناة مع روماتيزم القلب، مثلما توفي زوجها الراحل بسبب المرض نفسه. رحلت المرأة التي كانت تمنح الحارة بعضاً من طيب أنفاسها وتبث في قلوب أهلها التفاؤل والأمل
ولم ينس من أحبوها رعاية قططها التي تركتها وراءها، وفاء لذكرى امرأة لم تبخل عليهم يوماً بالمحبة والنصح
ولم يحظ عبدالودود الأسواني أبداً بحياة سعيدة بعد الرحيل المغلف بلون المأساة لابنته مهجة. صحيح أن العديد من أصدقائه حاولوا إقناعه بالخروج من قوقعة أحزانه، بل إن منهم من اقترح عليه الزواج مرة ثانية، لكنه طوى أحزانه في قلبه و عاش على ذكرى ابنته
ولعل أسعد من عاش من جميع سكان الحارة، في شارع السرايات في فيلا كبيرة، كان سرور الدمياطي الذي كانت ثروته تزيد يوماً بعد يوم بفضل نجاحه وتفوقه فى شؤون حياته. بدوره، كان الرجل سخياً وعطوفاً على الفقراء و المحتاجين، وخصص جزءاً من الصدقات الجارية لرعاية الأيتام و أطفال الشوارع، قائلاً لمن حوله برؤيةٍ ثاقبة وحكيمة، إن هؤلاء الضحايا قد تنتهي بهم النقمة على المجتمع بأن يتحولوا إلى مجرمين، إن لم يجدوا يداً حانية تربت على أكتافهم وتمسح على رؤوسهم وتوفر لهم سبل العيش الكريم
وظلت أم سعاد على حالها من ضيق ذات اليد، لكنها أصبحت أسعد حالاً، حيث كانت سنية تلبي لها كثيراً من مطالب حياتها الصغيرة، حتى تزوج أبناؤها واستقروا في أعمالهم وتحسنت ظروفهم وأحوالهم
ناجي مقار ، هو الوحيد الذي لم يتغير حاله مطلقاً.. ظل يغني بصوته العذب وغنائه الشجي فينفحه الناس بعض المال ويستحسن المارة صوته فيتابعونه بإعجاب، فيما يجلس أبوه على مقعد غير بعيد، وهو يقرأ الصحف وابتسامة نطفو على شفتيه
تزوجت نجوى كريم من مهندس ناجح يكبرها ببضع سنوات، اتسم بحسن الخلق، إذ حرص على رعايتها هي وأبنائها من الزيجة السابقة، وبدا أكثر نبلاً من أحمد عبده زوجها السابق!
إنها الأيام تدور، والأحداث تمر، والشخصيات تتغير
لكن حارتنا التي تشبه أهلها ظلت مروحة الأشواق التي يهفو إليها أهلها، مهما ابتعدوا عنها
حارة لها في القلوب بصمة لا تُمحى

تمت

2 comments:

Anonymous said...

الرواية هايلة يا إيمان

أنت سنك صغير لكن كتابتك حلوة قوى، وكمان فى جمل وعبارات عندك عبقرية رغم أنها بسيطة

أنا متأكدة إنك إن شاء الله حتكونى كاتبة مشهورة فى المستقبل


ياسمين

Anonymous said...

أنا كنت فاكرة النهاية هتكون مختلفة شوية. كنت حاسة أن الناس هتتلاقى تانى بعد أن فرقتها الأحداث
لكن الحقيقة عجبتنى الرواية. اكتبى حاجة جديدة يا إيمان
على فكرة أنا اسمى هدى