Friday, May 23, 2008

مصر في حارة: 16



القاتل

" 16 "


صوت الطرقات المتلاحقة على باب المنزل، أفزع سنية التي اندفعت نحو الباب بخطى لا تتفق مع جسدها الذي أرهقته السنون وزادته البدانة ثقلاً. وما إن أدارت المفتاح وفتحت جزءاً من الباب الخشبي العتيق حتى اندفع حمدان الصغير إلى الداخل، كأنه فأر يفلت من مطاردة. حاولت سنية أن تمسح آثار النعاس على وجهها لتسأل ابنها عما به، لكنه عاجلها ما بين أنفاسه المتقطعة والدهشة البادية على ملامح وجهه ليقول لها:

- مفاجأة.. مفاجأة كبيرة يا أمي.. ألقوا القبض على القاتل..قاتل الست هنومة.. لقد اعترف بالجريمة
- ومن هو هذا المجرم الذي قتل هذه المسكينة؟
- لن تتخيلي ذلك. إنه محمود دياب , لا أعرف كيف. لا أعرف. محمود؟ ما علاقته بأبلة هنومة وكيف يقتل؟ .. كنت أظن أنه شخص مسالم وفي حاله
- محمود دياب؟ صديق حسين! لا إله إلا الله ... كيف؟ لا أصدق !
- لا أعلم يا أمي, لكن طاهر وحسين يقفان أسفل العمارة، أمام سيارة المباحث، والضباط على وشك وضع محمود في السيارة. لقد رأيت القيود في يديه والشرطي يمسكه بقوة


كان للخبر وقع الصدمة على الجميع، ولم تكن سنية من جهتها تتصور أن يكون محمود دياب قاتلاً، فصورته في ذهنها تتسم بنبل الأخلاق، فضلا عن كونه صديق ابنها
لم يكن أمامها سوى أن تتأكد بنفسها من حقيقة ما يجري


وما بين الترقب والفضول الذي تخالطه الرهبة وتوقع الأسوأ، سارعت إلى ارتداء العباءة بسرعة فائقة، دون أن يتوقف عقلها عن التفكير المشوش، في حين دَاخلَ قلبها شعورٌ بالمفاجأة الثقيلة على النفس. ما هي إلا دقائق حتى وجدت نفسها وسط بحر من الناس الواقفين على رصيف الحارة الملاصق لعمارتها ممن تجمعوا لمعرفة ما يجري


كان حسين واقفاً وسط هؤلاء وهو يمد يديه إلى الأمام كأنه يحاول التدخل دون أن يستطيع، وفي عينيه نظرة حزن وشفقة. أما طاهر فانخرط في نوبة بكاء مرير, فيما حاول محمود أن يخفي بكلتا يديه ملامح وجهه عن الجميع في المسافة القصيرة التي ظهر فيها على الملأ إلى أن اختفى داخل سيارة المباحث. وساعدته الأسلاك الممزقة في السيارة على إخفاء معالم وجهه

انحنى طاهر على ركبتيه و هو يردد دون وعي:
- لا أصدق, لا أصدق
بعد قليل، وجد طاهر نفسه في بيت صديقه حسين فيما أحاط بهما كل من الأم سنية والابنة فهيمة والابن حمدان

سألت الأم بحزن وعيناها مغرورقتان بالدموع:
- كيف يا حسين؟
نظر إليها حسين بحزن, قائلاً بصوت خافت:
- ألم تقل لكِ هنومة أن لديها ابناً؟
- صحيح, واسمه عادل
- عادل هو ابن محمود. لقد أنجبت منه عادل، بعد أن تعرف إليها محمود وهو في بداية دراسته الجامعية. علاقة عابرة لا أحد يعرف كيف بدأت وتطورت لتصبح علاقة زواج بين اثنين لا يجمع بينهما شيء.. لكن المحتوم وقع، لتدب بينهما الخلافات ، فقررت هنومة حرمانه من رؤية ابنه وأخفته عنه في الإسكندرية بحجة أنها راقصة وأن عملها لن يساعدها في أن ترعاه وتمنحه مشاعر الأمومة التي يحتاجها. ولهذا كان محمود على الدوام مهموماً وتغلب على وجهه التعاسة. كان يردد دائماً لطاهر أنه سيبقى حزيناً إلى أن يموت و ..
قاطعه طاهر, ليقول بصوت بدا خارجاً من بئر عميقة:
- لكن لم يفهمه أحد منا.. لم نفهمه
حاول أن يمسح دموعه، في حين أكمل حسين كلامه قائلاً:
- منذ أسبوع, زار محمود هنومة ورجاها أن تخبره بمكان ابنه, لكنها رأت الفرصة مواتية للنيل منه والانتقاص من كرامته، وسرعان ما احتد النقاش بينهما، فأخذت تجرحُ كرامته وتهدده وتصبُ عليه جام لعناتها.. ويبدو أن الشيطان لعب برأسه ودفعه في لحظة غضب إلى قتلها

بكى طاهر وهو يستمع إلى ما قاله حسين عن محمود صديقه المقرب إليه. لم تر سنية رجلاً يبكي بحرقةٍ مثلما كان طاهر يفعل
وعندما عاد رضوان أفندي من العمل حاول تهدئة طاهر الذي بدا في حالة انهيار يصعب معها احتواء مشاعره.. حتى فهيمة أخذت تواسيه تحثه بما تسعفها به الظروف


بدا طاهر كأن العالم من حوله قد تهاوى بضربة مطرقة، فارتمى في أحضان العزلة وسط جوٍ من اليأس والشعور بالقهر، نتيجة ما جرى لصديقه الأثير إلى نفسه


توارى طاهر وبقي لأشهر ٍ طويلة حبيس منزله، ولم يكن يقطع عليه عزلته سوى صديقه حسين الذي أخذ يزوره للاطمئنان عليه وتطييب خاطره. بذل حسين قصارى جهده كي يؤنس وحدة طاهر ويساعده على نسيان هذه الأزمة العصيبة.. غير أن المهمة بدت شبه مستحيلة

2 comments:

Cry heart said...

ايمان انا بجد سعيد جدا انى دخلت مدونتك واستمتعت بروايتك جدااااااااا وبتمنالك المستقبل الى بتحلمي بيه لانك فعلا تستاهليه
وكتابتك بجد جميله اووووووووى
واتمنى تمتعينا بمزيد منها
وياريت تشرفيني فى مدونتى المتواضعه

Eman Yasser said...

Cry Heart


أشكرك على اهتمامك بقراءة محاولتي للكتابة الروائية. طبعاً الطريق أمامي طويل حتى أكتب بشكل أفضل، وحالياً أنا أقرأ أكثر مما أكتب ومع كل كتاب أكتشف أن أمامي الكثير لأتعلمه

زرت مدونتك وبالفعل شكلها حلو جداً ومضمونها أعجبني