Thursday, November 29, 2007

مصر في حارة: 14



ليلى موسى


" 14 "




ذاع الخبر في أنحاء الحارة
عرفه البشر والحجر.. فور أن علمت به نجوى كريم. حاصر الجيران والمعارف أفراد عائلة رضوان المنياوي، وخاصة الابن حسين، وبدأت سلسلة لا تنتهي من كلمات المجاملة والتهنئة بالزواج وقدوم المولودة الجديدة، مع بعض العتاب لتأخير إعلان الخبر

تنفست أم حسين الصعداء بعد أن أصبح الخبر معلناً وشعرت بأن جبلاً من القلق قد أزيح عن صدرها.. فالأسرار لها دائماً ثمنٌ غال اسمه التكتم

ألح حسين على أفراد عائلته كي يلتقوا زوجته ليلى,الأمر الذي أسعد حمدان وأثار تبرم أخته فهيمة، وبدت سنية راغبة في ذلك بالرغم من ممانعتها حتى لا يغضب زوجها رضوان

وبعد استرضاء طويل ومحاولات متكررة، استسلم الأب بعد أن وجه إلى ابنه حسين كلمات قاسية لأنه جاء إلى العائلة بزوجةٍ لا يعرفون عنها شيئاً وتخالفهم في العادات والتقاليد

وفي منتصف النهار, كان قد حان موعد اللقاء المرتقب بين عائلة رضوان المنياوي وليلى زوجة حسين.. أول ما استرعى انتباه سنية هو تلك الجرأة -التي تصل في رأيها إلى الوقاحة- في تلك المرأة. قرأت في عينيها ولونهما الأخضر مكر الثعالب، ومطت فهيمة شفتيها في ضيق عندما نظرت إلى قوام ليلى الذي يتثنى في لؤم، وطولها الفارع وبشرتها العاجية التي تنضح بخليطٍ من البرود والقسوة

استقبلتها الأسرة بنوعٍ من الفتور المهذب بالرغم من الابتسامات المفتعلة وكلمات الترحيب الجوفاء، ونبرات الصوت التي حاول الجميع أن تبدو رقيقة. وكانت ليلى من الذكاء بحيث تشعر بهذا كله، فقررت أن تجاريهم وأن تبدي أمامهم مودة زائفة, وأن تظهر في صورة الزوجة المحبة والأم التي تفيض حناناً على ابنتها سارة

عاملت فهيمة ليلى بجفاءٍ كعادتها, واختارت ليلى تجاهل الأمر وإبداء المودة لأخت زوجها

كانت المشاهد التمثيلية المتتابعة في تلك اللحظات كافية لصنع مسلسلٍ تليفزيوني يستحق بعض الجوائز في الأداء

تكررت الزيارات بعد ذلك، ولاحظت العائلة حرص ليلى على التأنق وارتداء ثيابٍ ثمينة مختلفة في كل مرة. ولم تنس سنية أن تتمالك نفسها في أكثر من مناسبة لتوجه إلى زوجة الابن ملاحظاتٍ على انفراد حاولت أن تغلفها بالود، وتنصحها فيها بارتداء ثيابٍ طويلة تغطي بها مواطن جمالها، في حين كانت ليلى ترد بابتسامةٍ وهزةٍ من رأسها، تخفي بها ضيقها من هذه العائلة التي تحاسبها على كل شيء يخصها..حتى ملابسها



كانت المسافة بين ليلى وتلك العائلة شبيهة بالصدع بين جبلين.. فلا الجسور تنفع لردم الهوة، ولا المجاملات تكفي لرسم ملامح علاقة طبيعية بين عالمين مختلفين كل الاختلاف

لكن المفاجآت استمرت

فقد دعت ليلى والدتها كريستين لزيارتها في مصر. وجاءت الأم الإنجليزية، وبطبيعة الحال حدث التعارف بينها وبين عائلة زوج ابنتها. كما زارت عائلة رضوان في الحارة بهيرة شقيقة ليلى التي استقرت في مصر منذ صغرها مع أبيها المصري الذي توفي منذ عامين. كانت بهيرة طبيبة تتسم بالذكاء الفطري وتملك روحاً مصرية دافئة وخفة ظلٍ لا تخطئها العين

وجاء أيضاً نديم شقيق ليلى، الذي زار مصر خصيصاً لمقابلة عائلة حسين. وبدا مع مرور الوقت أن عائلة رضوان المنياوي لا تستلطف من عائلة ليلى سوى بهيرة، التي نجحت في كسر جدار التحفظ وتمكنت من الفوز بقلوب الجميع ببساطتها الآسرة وروحها المرحة، وضحكتها التي تشبه رنين الذهب

2 comments:

Anonymous said...

أسلوبك حلو قوي يا إيمان. أنا متأكدة أنك في يوم من الأيام ستكوني أديبة أو كاتبة ممتازة

غادة البنداري

Anonymous said...

شخصياتك جميلة قوي وبرافو عليك
فعلا.. ما شاء الله عليك يا إيمان